الأردن وأزمة إمدادات النفط العراقي
في خريف عام 1994، كانت تداعيات حرب الخليج الثانية لا تزال تزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الأزمة المحتملة بين العراق والأردن تتجلى كاختبار صعب لقدرة السعودية على استغلال “دبلوماسية النفط” لحماية حلفائها العرب. الملك الأردني الراحل حسين بن طلال، الذي بدأ يبتعد تدريجياً عن النظام العراقي ويتجه صوب العواصم الغربية والعربية المناهضة لصدام حسين، كان يشعر بقلق عميق من احتمال انقطاع إمدادات النفط العراقية عن بلاده، خاصة وأن الأردن يعتمد بشدة على تلك الإمدادات بأسعار تفضيلية، والتي كانت تسهم في دعم الاقتصاد الأردني بحوالى 400 مليون دولار سنوياً.
معضلة إمدادت النفط وتبعات الفقد
وثائق دبلوماسية بريطانية سرية عرضت كيف أن الملك حسين كان في حالة من القلق حيال احتمال قطع العراق لإمدادات النفط. وأشارت التقديرات إلى أن الأردن سيكون لديه احتياطات تكفي لمدة 30 يوماً فقط إذا تم تقليص استهلاكه، مما يبرز الحاجة الملحة لإيجاد بديل موثوق. وقد تم اقتراح إمكانية تزويد الأردن بالنفط عبر الطريق البري، لأنه لم يكن لدى ميناء العقبة الأردني القدرة على تفريغ النفط بشكل فعال.
في ظل هذه التوترات، كان يكمن الخيار الأكثر عملية في إعادة فتح خطوط الأنابيب السعودية لتزويد الأردن بالنفط. الوثيقة تشير أيضاً إلى أهمية السعر، حيث كان العراق يبيع نصف النفط بأسعار السوق ويوفر النصف الآخر مجانًا، مما أعطى الأردن تخفيضاً كبيراً كان ينبغي عليه تعويضه عن طريق العملة الأجنبية المفقودة.
من جهة أخرى، لم يستبعد التحليل البريطاني فرصة استخدام العراق لورقة النفط كوسيلة ضغط، على الرغم من إدراكهم أن ذلك سيسبب قلقاً كبيراً في عمان. بذلك، تحرك دبلوماسيو لندن وواشنطن للبحث عن بديل، ووجدوا في السعودية الحليف القادر على تعويض الفجوة المحتملة.
تأتي ردود الفعل السعودية كخطوة حذرة، حيث أكد الأمير سعود الفيصل الحاجة لتقدير التبعات قبل اتخاذ إجراءات. ومع ذلك، ترك الباب مفتوحاً أمام التواصل بشأن تبعات الأزمة. في تلك المرحلة، كانت المملكة تشهد توازنًا دقيقًا بين دعم الأردن والحد من تصاعد التوتر مع بغداد.
الأمير سعود، المعروف ببراغماتيته، بدا متردداً لكنه أدرك أهمية الحفاظ على استقرار الأردن وتحجيم قدرة صدام حسين على الابتزاز. واضح أن السعودية تمتلك القدرة على دعم الأردن بتلك الإمدادات في زمن قصير، مما أتاح للرياض فرصة لتعزيز دورها كقوة فاعلة في السياسة الإقليمية.
ومن خلال ضغوط إضافية وتحليل دقيق، باتت فكرة إيجاد خط إمداد بديل تدعم الاستقرار الأردني وتنقذ البلاد من تداعيات فقدان النفط. ونجحت السعودية بالتالي في تجنب انقطاع حاد في إمدادات الطاقة، مما عزز من قوة المملكة الأردنية، وحافظ على أمنها في مرحلة حرجة من تاريخها.
تعليقات