لم تعد الكلاب الضالة في شوارع المغرب مشهدًا هامشيًا. لقد تحوّلت إلى ظاهرة يومية تُثير مخاوف متزايدة بين المواطنين، خصوصًا الأطفال والمسنين. تكرار الاعتداءات وتزايد الإصابات بداء السعار عمّق الإحساس بالخطر، لا سيما بعد وفاة سائحة بريطانية إثر خدش بسيط من جرو ضال، في حادثة لقيت صدى إعلاميًا واسعًا.
تشير المعطيات الرسمية إلى تسجيل 414 إصابة بداء السعار بين عامي 2000 و2020، 88% منها بسبب الكلاب، ونحو نصفها في صفوف القاصرين. ويتم الإعلان سنويًا عن 20 إلى 30 حالة وفاة مرتبطة بأمراض حيوانية يمكن الوقاية منها. وفي سنة 2019، أعلنت وزارة الداخلية عن برنامج يمتد حتى 2025، يهدف إلى تدبير ظاهرة الكلاب الضالة عبر إحداث مكاتب لحفظ الصحة، وتوظيف أطر بيطرية، وصياغة قانون يؤطر التعامل مع هذه الحيوانات.
إلا أن مظاهر هذا البرنامج تظل محدودة على أرض الواقع، حيث تتواصل شكاوى المواطنين، وتبقى الكلاب منتشرة في الأحياء بشكل مقلق، دون أن يلمس المواطن تحسنًا ملموسًا أو انتظامًا في آليات التدخل المحلي.
من الناحية القانونية، تتحمل الجماعات الترابية مسؤولية مباشرة في هذا الملف، بموجب القانون التنظيمي رقم 113.14، الذي يحمّلها مسؤولية ضمان سلامة السكان من الأخطار المرتبطة بالحيوانات. ومع ذلك، تلجأ بعض الجماعات إلى حلول غير قانونية، مثل إطلاق النار أو وضع السموم، مما يفتح الباب أمام انتقادات حقوقية دولية، بالنظر إلى التزامات المغرب في مجال الرفق بالحيوان.
الخوف من الكلاب الضالة لا يخص من تعرّض للهجوم فحسب، بل يشمل من يعيش تحت ضغط نفسي دائم: نباح ليلي متواصل، طرق يصعب المرور منها، وقلق يرافق الخروج المبكر أو المتأخر. إنها تفاصيل متكررة تكشف كيف تؤثر هذه الظاهرة في نمط الحياة اليومية للمواطن المغربي.
في الساحة الدولية، لقي الموضوع صدى غير متوقع. خلال مباراة وداد الأمة ومانشستر سيتي في فيلادلفيا، اقتحم ناشط من منظمة “بيتا” أرضية الملعب، رافعًا لافتة تندد بما وصفه بـ”قتل الكلاب” في المغرب. هذه الحادثة سلطت الضوء على البُعد الدولي للموضوع، خصوصًا في ظل التزامات المغرب باتفاقيات دولية، أبرزها اتفاقية ستراسبورغ لحماية الحيوانات الأليفة (ETS 125).
يقترح عدد من النشطاء الحقوقيين اعتماد مقاربة TNR (الالتقاط، التعقيم، التلقيح، الإرجاع)، المعمول بها في عدة دول، والتي تراعي حقوق الحيوان دون الإضرار بالمجتمع. لكن نجاح هذه السياسة رهين بوجود إرادة سياسية حقيقية، وآليات تنسيق فعّالة، وتمويل مؤسساتي واضح، وهي شروط لم تتحقق بعد بالشكل المطلوب.
ومع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030، يصبح هذا الملف مؤشرًا على مدى توازن المغرب بين متطلبات الصورة الدولية والواقع المجتمعي. فالتحضير لمثل هذا الحدث لا يقتصر على تجهيز الملاعب والبنى التحتية، بل يتطلب أيضًا ضمان أمن الفضاءات العمومية، واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين، وعلى رأسها الحق في التنقل الآمن والسلامة الجسدية. حين يخاف طفل من عبور زقاق قرب منزله، أو يعاني مريض من نباح متواصل يحرم نومه، فإن ذلك لا يليق بصورة دولة تطمح إلى تقديم نفسها كوجهة دولية آمنة ومتقدمة.
إن احترام حقوق الحيوان التزام قانوني وأخلاقي، لكنه لا يمكن أن يُفهم خارج السياق المحلي الذي يُعلي من شأن الحياة الإنسانية. عند تعارض الحقين، تكون الدولة مطالبة بضمان السلامة الجسدية أولًا، مع توفير بدائل إنسانية لحماية الحيوان مع مقاربة عادلة تُفعّل النصوص وتحقق التوازن بين الكائنين.
بين حق الحيوان وحق الإنسان لا يوجد تعارض جوهري، بل حاجة إلى مقاربة مندمجة وعقلانية، تُفعّل القوانين القائمة، وتُحدث أدوات جديدة للحماية، وتحترم الكرامة، أيًّا كان شكلها أو نوعها.
لكن في دولة يسود فيها القانون، تبقى أولوية الحماية للإنسان، ليس انتقاصًا من كرامة الحيوان، بل وفاءً لواجب الدولة في صون الحياة، وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات.
0 تعليق