«ترامب يُطلق الصواريخ.. .فهل تنفجر في وجهه؟!»

الأسبوع 0 تعليق ارسل طباعة

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في زمنٍ فقدت فيه الحروب ملامحها، وتحوّلت فيه قرارات القتل الجماعي إلى تغريدات، وبلاغات الحرب إلى مؤتمرات صحفية مملة، استيقظ العالم ذات فجرٍ على رئيسٍ أمريكي يضغط الزر النووي كما يضغط زر "أعجبني" على تطبيق هاتفه. ترامب، الذي يحكم كما لو كان يقدّم موسمًا جديدًا من برنامج ترفيهي فاشل، قرر أن يُخرج آخر ما في جعبته من ألعاب نارية ويقذف بها على مفاعلات إيران، ربما بحثًا عن لحظة خلود.. .أو عن تغريدة ترند!

في هذا العصر، لم نعد نحتاج إلى أسباب مقنعة لشنّ حرب، يكفي أن يشعر الرئيس بالملل، أو أن تنخفض نسبة شعبيته، أو أن يضجر من تغطية إعلامية لا تليق بـ"عظمته"، حتى يُرسل قاذفات الشبح، ويستدعي الصحفيين ليقول لهم: "لقد ضربناهم.. .من أجل السلام".

ثلاث ضربات جوية استهدفت مواقع نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، قيل إنها لمنع "القنبلة التي لم تُصنع بعد"، لكنها فجّرت في المقابل قنبلة سياسية داخلية في واشنطن، العاصمة التي تشبه مسرحًا للدمى حين يغيب النص وتعلو الأصوات.. .

الرئيس وأزرار اللعب بالنار

يبدو أن ترامب - الذي يعشق الظهور بمظهر "الرجل الحديدي" - لم يعد يفرّق بين أزرار التغريد وأزرار التدمير. فبعد سلسلة من التهديدات وتهويمات "الردع"، قرر أن ينفذ الضربة من دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية، مستندًا إلى تبرير غامض مفاده أن "الدفاع الاستباقي" لا يحتاج موافقة أحد.

لكن خلف الكواليس، ارتفعت تساؤلات أكثر خطورة: هل كان الدافع حماية الأمن القومي، أم تغطية على إخفاقات داخلية متراكمة؟ المواطن الأمريكي البسيط، الذي يُصارع أسعار الوقود وأقساط القروض، لا تعنيه الطرد المركزي في نطنز، بل يهمه أن تبقى ثلاجته ممتلئة، وأطفاله في مدارس آمنة.. .

الكونغرس.. .عاصفة دستورية

في قاعة الكونغرس، وبينما كان بعض الجمهوريين يصفقون للرئيس كما يُصفق لمهرّجٍ في سيرك، خرج ديمقراطيون يتهمونه بالانقلاب على الدستور. زعيمهم اتهمه بأنه "ضلّل الأمة"، بينما صاحت نائبة من نيويورك بأن ما حدث "يصلح أساسًا دستوريًا لعزله فورًا".

حتى بعض الجمهوريين بدوا مترددين، إذ قال نائب عن ولاية كنتاكي: "إعلان الحرب ليس من صلاحيات الرئيس وحده". كلمات قيلت على استحياء، لكنها تكشف أن الصدع يتّسع داخل الحزب نفسه.

وفي حين حذر أحد أعضاء مجلس الشيوخ من "تورط لا نهائي في حرب ليست حربنا"، تحدث آخرون عن الحاجة لإعادة النظر في قانون "صلاحيات الحرب" - ذاك القانون المهترئ الذي يُستخدم حين نرغب، ويُنسى حين يعلو دخان الصواريخ.. .

"ترامب غيت".. .هل يعيد التاريخ نفسه؟

في لحظة عبث سياسي، يبدو فيها التاريخ الأمريكي وكأنه يعيد نفسه، تُطرح الآن تساؤلات جدية: هل يكون ترامب، الرئيس الذي نجا من محاولات اغتيال إعلامي وسياسي متكررة، على موعد مع نهاية تشبه نهايات من سبقوه؟

فها هو يواجه الآن اتهامات تتجاوز "سوء التقدير"، إلى "تجاوز دستوري صريح"، في ملف إيران، الذي وصفه بعض المراقبين بأنه قد يتحول إلى فضيحة جديدة تُعرف باسم "ترامب غيت"، على غرار فضيحة "إيران غيت" في الثمانينيات، حين تلاعبت إدارة ريغان ببيع أسلحة لإيران في الخفاء!

وإن لم يكن ذلك كافيًا، فهناك من يقارن مسار ترامب بمسار ريتشارد نيكسون، الرئيس الوحيد في التاريخ الأمريكي الذي استقال قبل عزله رسميًا، على خلفية فضيحة "ووترغيت"، حين تم كشف تورطه في التجسس على خصومه داخل الحزب الديمقراطي.

هل تتكرر المشاهد؟ هل سنشهد خروجه من المكتب البيضاوي مدحورًا هذه المرة لا بطائرة رئاسية، بل بوثيقة إدانة شعبية وقانونية؟ الجواب معلّق في الهواء.. .تمامًا كصواريخه "الاستباقية".

أمريكا بين الحروب والكساد

الشعب الأمريكي لا يريد مجدًا نوويًا، بل يريد تغطية صحية مجانية وسوق عمل لا تبتلعه الروبوتات. الضربات الجوية - وإن بدت بطولية في نشرات الأخبار - لا تعني شيئًا لعامل المصنع الذي ينتظر راتب الأسبوع، أو للطالبة التي تسدد قروضها الجامعية من وظيفتين.

أما ترامب، فيبدو كمن يلعب آخر أوراقه: صدام خارجي يشعل به الداخل، أو يفجّر به لجنة عزله قبل أن تفتح ملفاتها. لكن هذه المرة، لا يبدو أن الجميع سيُصفق. فالعاصفة تهبّ من كل اتجاه، والصواريخ قد ترتد، لا على إيران.. .بل على مكتبه في الجناح الغربي.

وأمام هذه اللوحة المرتبكة، يبقى السؤال:

هل يكمل ترامب فترته الرئاسية محمولًا على أكتاف أنصاره المنتشين بالبارود؟

أم يُغادر البيت الأبيض محمولًا على وثيقة اتهام؟

هل ينجح في تصدير أزمته للعالم.. .أم يعود بها مضاعفة إلى الداخل؟

في أمريكا، كل شيء ممكن. فمن يطلق النار في الهواء، عليه أن ينتبه.. .فقد تسقط الرصاصة على رأسه.

وما بين زرّ الحرب وزرّ التغريدة، قد يُحكم على رئيس.. .أو يُكتب فصلٌ جديد من فوضى الإمبراطورية.

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

[email protected]

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق