سلّطت ورقة بحثية جديدة، منشورة في مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية التي تصدر عن “المركز الديمقراطي العربي”، الضوء على التناقض بين تحديث المقتضيات الدستورية التي تهدف إلى إرساء نموذج ديمقراطي أكثر انفتاحاً، وواقع تقليدية النخب السياسية، التي اعتبرتها “تُعرقل التغيير وتعيد إنتاج نفس آليات التحكم في المجال العام”.
الورقة البحثية ذاتها أكدت أن “فكرة الديمقراطية التمثيلية تعاني من أزمة ترجع إلى إفراغها من جوهرها وطمس أهدافها الحقيقية، حيث تعمد بعض مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى إلى جعل التشاور، في إطار تفعيل المقاربة التشاركية مع الفاعلين المتدخلين في عملية إعداد برامج تنمية الجهات والجماعات، مسألة ثانوية وإجراء شكلياً فقط، بالرغم من التأكيد الدستوري وحرص القوانين التنظيمية على تكريس مضامينها”.
وسجلت الوثيقة أن “الديمقراطية التشاركية، رغم أهميتها، تواجه مجموعة من العوائق والحدود التي تعرقل تفعيلها الكامل”، مبرزة في هذا الصدد أنه “رغم الإصلاحات الدستورية المتعاقبة، لا تزال نخبة الأعيان تحتكر المشهد السياسي، خاصة في العالم القروي والمجالات الهشة، حيث تعتمد هذه النخب على النفوذ الاقتصادي والاجتماعي بدل البرامج السياسية لإعادة إنتاج سلطتها، والتحكم في توجيه الانتخابات والقرارات المحلية من خلال شبكات الزبونية والمحسوبية”.
ومن هذه العوائق أيضاً، كون “السلطات التنفيذية لا تزال تتعامل مع المجتمع المدني بمنطق استشاري غير ملزم، بدل اعتباره شريكاً حقيقياً في صنع القرار، كما أن غياب أطر قانونية واضحة تحدد كيفية إلزامية تفاعل المؤسسات مع المقترحات المقدمة من قبل المجتمع المدني يزيد من تعميق هذه الهوة”، مشيرة في هذا الصدد إلى استمرار مواجهة العرائض والملتمسات لعقبات بيروقراطية.
وأشارت الورقة البحثية إلى أن “ضعف ثقافة المشاركة السياسية يجعل نسبة كبيرة من المواطنين غير منخرطين في الدينامية التشاركية، كما أن المجتمع المدني يعاني من ضعف في الموارد والتأطير، وغلبة التمثيلية التقليدية على حساب الثقافة التشاركية، بما يجعله غير قادر على استثمار هذه الآليات بفعالية”، مبرزة أن “هناك إكراهات أخرى موضوعية وذاتية، من قبيل التضييقات الإدارية والتجاوزات الحاصلة إما لعدم إعمال القانون، أو لعدم مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المدني”.
وشددت على أن “معيقات الديمقراطية التشاركية في الممارسة الميدانية تجد لها أثراً في الواقع السياسي المغربي”، مؤكدة في الوقت ذاته أن تفعيل الديمقراطية التشاركية بشكل حقيقي يتطلب تقوية دور المجتمع المدني، وإصلاح القوانين، وتبسيط المساطر الإدارية، إلى جانب تقليص نفوذ الأعيان في المشهد السياسي من خلال تشديد القوانين الانتخابية للحد من استغلال المال السياسي والزبونية، ودعم الأحزاب التي تقدم برامج ديمقراطية حقيقية، إضافة إلى تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة من خلال تطوير منصات رقمية تفاعلية لتسهيل التواصل بين المواطنين والمؤسسات الحكومية.
وخلصت الورقة البحثية إلى أنه “رغم قطع المغرب أشواطاً مهمة في إقرار الديمقراطية التشاركية، إلا أن تنزيلها العملي لا يزال يواجه تحديات كبرى بفعل هيمنة النخب التقليدية على القرار السياسي. وعليه، فإن تقوية الديمقراطية التشاركية يتطلب إصلاحات قانونية ومؤسساتية عميقة، وتغييراً في الثقافة السياسية، بحيث يصبح المواطن فاعلاً حقيقياً في تدبير الشأن العام، وليس مجرد متلقٍ للقرارات التي تصنعها النخب التقليدية”.
النشرة الإخبارية
اشترك في النشرة البريدية للتوصل بآخر أخبار السياسة
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق