قرية آيت اعميرة.. منطقة فلاحية خصبة مأهولة تغرق في تناقضات التنمية‎

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة

تعد جماعة آيت اعميرة واحدة من المناطق الفلاحية بالمغرب الأكثر تعقيدا على مختلف المناحي، إذ يظل اسمُها، على الأقل في جهة سوس ماسة، مرتبطا بالكثافة السكانية المرتفعة وما يرافقها من تعقيدات وضغط على البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية.

وجهة فلاحية بامتياز، وخزان المغرب الغذائي اعتبارا لحجم الخضر والبواكر التي توزع على مختلف مناطق المغرب وخارج البلاد انطلاقا من ضيعات المنطقة، ونظرا أيضا لحجم الاستثمارات في القطاع الفلاحي.

كما تعد منطقة آيت اعميرة نقطة استقرار لآلاف اليد العاملة من المغرب ومن دول إفريقيا جنوب الصحراء.. وكل ذلك فرض تحديات كبرى ورهانات تنموية لم تستطع بعد مجهودات الدولة تجاوزها؛ بل تزداد تعقيدا يوما بعد يوم.

آيت اعميرة.. خزان أزمات

رشيد آيت الساغ، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، قال إن ما تعيشه جماعة آيت عميرة اليوم “ليس فقط نتيجة الإهمال؛ بل حصيلة مباشرة لعقود من الفساد وسوء التسيير، والافتقاد التام للإرادة السياسية في التغيير”.

وأضاف آيت الساغ، ضمن تصريح لهسبريس، أن “جماعة آيت اعميرة، التي يفوق عدد سكانها 113 ألف نسمة، تتحول يوما بعد يوم إلى خزان للأزمات الاجتماعية والبيئية والصحية، أمام أنظار مسؤولين محليين لا همّ لهم سوى تصفية الحسابات السياسية وتكديس المكاسب الشخصية”، وفق تعبير الفاعل السياسي سالف الذكر.

وضعية عقارية مختنقة

رشيد آيت الساغ أوضح أن “أولى كوارث الجماعة تبدأ من الوضعية العقارية المختنقة، حيث لا تزال أراضي الجموع تكبل رقاب الساكنة وتحرمها من أبسط حقوقها في السكن، البناء ممنوع، العقار مشلول، والمئات من الأسر تعيش تحت ضغط الكراء إن وجدت أصلا مسكنا للكراء، في ظل موجة غير مسبوقة من توافد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، ورغم كل ذلك، لا أحد يتحرك”.

وضع بيئي مأساوي

وإمعانا في تشخيص الأعطاب بهذه الجماعة، اعتبر آيت الساغ أن الوضع البيئي بدوره مأساوي؛ فـ”دوار حمر ودوار العرب والدواوير المجاورة تحولت إلى جحيم حقيقي بسبب حفرة عشوائية للصرف الصحي تنبعث منها روائح خانقة، وتهدد صحة السكان والفرشة المائية على حد سواء”.

وفي هذا الصدد، لفت عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد إلى أن “هذه الحفرة، التي أقيمت قرب مؤسسات عمومية بلا سياج ولا حماية، تتسرب مياهها إلى المنازل حين تمتلئ، في مشهد لا يليق حتى بحظائر المواشي”.

بنية تحتية شبه منعدمة

وعن البنية التحتية، أبرز المتحدث عينه أنها شبه منعدمة؛ فـ”الطرق محفرة، والمشاريع متوقفة، والملعب الجماعي أشبه ببقعة معشوشبة لا مدرجات فيها ولا مرافق، المشروع انطلق منذ 2017 ولا يزال معلقا إلى اليوم، في تكرار ممل لسيناريوهات الفشل التنموي”.

بيئة ملوثة وساكنة محبطة

“النفايات تنتشر في كل زاوية، والمطارح العشوائية تحاصر السكان، لا حاويات كافية، لا شاحنات جمع، ولا رؤية تدبيرية. النتيجة، بيئة ملوثة، عمال نظافة مرهقون، وساكنة محبطة”. أما قطاعا الصحة والتعليم فيعيشان الأسوأ، إذ لا تتوفر جماعة آيت اعميرة سوى على “مركز صحي يتيم لأكثر من 113 ألف نسمة. أما المدارس فتئن تحت الاكتظاظ، والانحراف يتكاثر بجنباتها، وسط غياب أية تدابير اجتماعية أو أمنية للحد من الظاهرة. أما الشباب، فلا متنفس لهم، ولا دار شباب تشتغل، بعدما توقفت منذ سنة 2018، الثقافة غائبة، والفعل التربوي منهك”.

أسواق بلا رؤية واضحة

وينضاف إلى هذا الوضع، أورد المتحدث، “فوضى الأسواق، وغياب هيكلة لسوق السمك، ولا تنظيم للسوق الأسبوعي، ولا رؤية واضحة لإعادة ترتيب الباعة المتجولين وأصحاب النقل العشوائي، إلى جانب أزمة الماء وغياب الإنارة العمومية وغير ذلك؛ فالكل يترك لعشوائية قاتلة، تسائل من يتبجحون بتدبير الشأن المحلي”.

الحاجة إلى مسؤولين شجعان

رشيد آيت الساغ سجل أن ما تحتاجه آيت عميرة اليوم “ليس مسكنات ولا شعارات انتخابية؛ بل تحتاج إلى مسؤولين شجعان، نظيفي اليد، منحازين إلى قضايا الشعب، ومتحررين من قبضة التعليمات، فالساكنة تستحق من ينقذها من التهميش، لا من يستثمر في معاناتها”.

إكراهات مركبة

من جانبه، اعتبر حكيم العنايت، المستشار الجماعي عن حزب الأصالة والمعاصرة، أن جماعة آيت اعميرة تعيش على وقع إكراهات تنموية مركبة، تتقاطع فيها مشكلات البنيات التحتية والماء الشروب والوضع الأمني، إلى جانب أزمات القطاعين الصحي والتعليمي، في ظل تأخر مشاريع كبرى كانت كفيلة بإحداث نقلة نوعية في مستوى عيش الساكنة.

مشاريع مجمدة

العنايت عبر، ضمن تصريح لهسبريس، عن قلقه الشديد إزاء تعثر مشروع التطهير السائل، معتبرا إياه العائق الرئيسي أمام إخراج مشاريع التهيئة الحضرية إلى حيز الوجود.

وأوضح المستشار الجماعي عن حزب الأصالة والمعاصرة أن غياب شبكة التطهير السائل (الواد الحار) أدى إلى تجميد مشاريع أساسية لتأهيل الأحياء والبنية التحتية؛ “وهو ما يعطّل دينامية الاستثمار المحلي، ويسهم في تدهور الوضع البيئي”.

وفي هذا السياق، طالب المتحدث الجهات المعنية، خصوصا المجلس الجماعي ومختلف الشركاء من السلطات الجهوية، بتسريع وتيرة إنجاز هذا الورش الحاسم، الذي وصفه بأنه مفتاح النهضة التنموية بالجماعة.

أزمة ماء غير مسبوقة

من جانب آخر، أشار حكيم العنايت أن جماعة آيت اعميرة تعرف “أزمة ماء شروب غير مسبوقة، نتيجة الاستنزاف المستمر للفرشة المائية، في ظل تزايد الطلب على الماء وتراجع الموارد الطبيعية”.

وأضاف المتحدث عينه أن الوضع الحالي “ينذر بمخاطر اجتماعية واقتصادية حقيقية إذا لم يتم التدخل العاجل”، داعيا إلى “التسريع بربط الجماعة بمحطة تحلية مياه البحر بالدويرة، كحل استراتيجي ومستدام لضمان الأمن المائي للسكان”.

استفحال الجريمة

على مستوى الوضع الأمني، وصف المستشار الجماعي عن حزب الأصالة والمعاصرة الحالة بالمتأزمة، متمثلة في “استفحال الجريمة بمختلف أشكالها، من سرقات واعتراض السبيل إلى انتشار المخدرات والعنف المدرسي.

وفي المقابل، لم يغفل العنايت الإشادة بالمجهودات التي يبذلها مركز الدرك الملكي بآيت اعميرة، رغم قلة الإمكانيات؛ لكنه شدد في الآن ذاته على ضرورة تعزيز هذا المركز بالموارد البشرية والوسائل اللوجستيكية اللازمة، بالنظر إلى التوسع العمراني وكثافة السكان”.

صحة عليلة

أما فيما يخص القطاع الصحي، فقد أكد العنايت أن “الخدمات المقدمة لا تواكب أبسط انتظارات المواطنين، بسبب ضعف التجهيزات الطبية وقلة الأطر الصحية؛ مما يجعل ولوج الساكنة إلى العلاج عملية معقدة ومحبطة”.

كما توقف المصرح ذاته عند التحديات التي يعرفها القطاع التعليمي، حيث “يظل الهدر المدرسي مقلقا، لا سيما في صفوف الفتيات، بسبب الاكتظاظ في المؤسسات القليلة الموجودة بتراب الجماعة، وضعف النقل المدرسي، وغياب الدعم الاجتماعي الكافي؛ وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا وفعالاً للنهوض بهذا القطاع الحيوي تماشيا مع الرؤية الوطنية لإصلاح التعليم”.

ولم يخفِ المتحدث قلقه من الوضع البيئي، الذي قال إنه “يزداد تدهورا بفعل غياب حلول دائمة لتدبير النفايات وتلوث الهواء الناتج عن بعض الأنشطة الفلاحية غير المهيكلة”، مشيرا إلى أن “أية تنمية اقتصادية أو اجتماعية تظل رهينة بيئة سليمة وصحية”.

الشباب.. حلقة مفقودة

ودائما في سياق تشخيص الأوضاع في آيت اعميرة، أكد حكيم العنايت أن الجماعة “تفتقر إلى استراتيجية واضحة لتأهيل الشباب وتحفيز الاقتصاد المحلي، رغم توفرها على مؤهلات فلاحية وصناعية مهمة”.

وأشار المستشار الجماعي عن حزب الأصالة والمعاصرة إلى أن “الاعتماد المفرط على القطاع الفلاحي الموسمي يزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي، خصوصا في ظل تقلّبات المناخ وأزمة الموارد الطبيعية”.

ودعا، في ختام حديثه مع هسبريس، إلى “إطلاق تعاقد تنموي تشاركي بين مختلف الفاعلين، يقوم على رؤية واضحة ومسؤولية جماعية، وتحتاج الجماعة إلى تعبئة شاملة وإرادة سياسية حقيقية لتحريك عجلة التنمية وتحقيق تطلعات ساكنتها إلى الكرامة والعدالة المجالية والخدمات الأساسية، ونستبشر في الآن ذاته بالدينامية التي يخوضها العامل المعين على رأس إقليم اشتوكة آيت باها ليسهر على سيرورة النهضة التنموية التي أطلقها سلفه”.

تراكمات ثقيلة

وتفاعلا مع ما سبق ذكره من نقائص تنموية، قال علي البرهيشي، رئيس الجماعة الترابية آيت اعميرة، إن المجلس قد “ورث تراكمات ثقيلة ناجمة عن الصراعات السياسية منذ تسعينيات القرن الماضي؛ مما أفرز الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم”.

وتابع البرهيشي، ضمن تصريح لهسبريس، قائلا: “تم التخلي عن التنمية مقابل الإمعان في تجاذبات سياسوية مقيتة رهنت مستقبل الجماعة؛ فتنامت الإكراهات التنموية، وأضحت بين مطرقة المشاكل وسندان انتظارات الساكنة”.

التطهير مفتاح الحل

رئيس الجماعة الترابية آيت اعميرة أورد أن مفتاح حل كافة المشاكل المطروحة اليوم يكمن في إخراج مشروع التطهير السائل إلى حيز التنفيذ؛ فـ”بفضل تدخل جمال خلوق، العامل السابق، سيتم إطلاق إنجاز المشروع في غضون أشهر قليلة بميزانية ضخمة، حيث ينطلق بإنجاز القناة الرئيسية انطلاقا من محطة لمزار إلى آيت اعميرة مرورا بسيدي بيبي في إطار البرنامج الوطني للتطهير السائل؛ وهو ما سينهي الأزمة القائمة وسيفتح المجال لمشروع التهيئة الحضرية”.

صعوبات تدبير الماء

أما قضية الماء الشروب، فقال بشأنها المسؤول الجماعي ذاته أن “الجماعة هي التي تدبر هذا المرفق؛ لكن بصعوبات كبيرة وإكراهات عميقة، أبرزها نضوب الفرشة المائية واستنزاف غير مسبوق لميزانية الجماعة والكثافة السكانية المرتفعة، ولن يكون الحل إلا بتدخل الشركة الجهوية متعددة الخدمات سوس ماسة لتسيير هذا المرفق، إذ إنه ولو تم ربط الجماعة بمحطة تحلية مياه البحر، فلن نستطيع تدبير الخدمة”.

التلوث.. واقع مر

في الجانب البيئي، اعتبر علي البرهيشي أن “غياب الثقافة البيئية وغياب دور المجتمع المدني يزيد من تعميق أزمة النظافة، وتبذل الجماعة مجهودات كبيرة في هذا الشأن، رغم إكراهات الكثافة السكانية وضعف الطاقة الاستيعابية للمطرح الجماعي وإشكالية الموارد البشرية، فضلا عن غياب إمكانية التدبير المفوض للقطاع؛ مما يفوت على الجماعة مداخيل إضافية مهمة”.

توسم الخير في العامل الجديد

وفي ختام تصريحه، لم يخف رئيس جماعة آيت اعميرة انغراس المنطقة في مشاكل بنيوية عميقة، موضحا أنه “بدون إنجاز مشروعي الماء والتطهير السائل فستبقى الأوضاع أكثر قتامة، ونتوسم خيرا في محمد سالم الصبتي، العامل الجديد لإقليم اشتوكة آيت باها، للرفع من منسوب التدخلات من أجل الدفع بوتيرة إنجاز هذه المشاريع المهيكلة، إذ إن الجماعة بإمكانياتها الحالية لن تستطيع المضي قدما في تحقيق انتظارات الساكنة وتجاوز العقبات التنموية العميقة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق