سامويُو تفكك بأكاديمية المملكة "الترجمة وحرب الذاكرات".. غزة وإيران تجليات

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة

بمحاضرةِ “الترجمة وحرب الذاكرات”، التي ألقتها الأستاذة الفرنسية المتخصصة في اللغات واللسانيات تيفين سامويُو (Tiphaine Samoyault) بمقر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، فتحت الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، أبواب نقاش أكاديمي خالص حول “أسئلة الترجمة في صلتها بالذاكرة وصراع السرديات التاريخية”.

وقالت الأستاذة المحاضرة، مساء الجمعة، إن “الموضوع الذي قدِمْت إلى هنا للحديث عنه هو “حرب الذاكرات” guerre des mémoires . هو موضوع صعبٌ، لكن يجب مواجهته”، عادّةً إياه “قضية راهنية ومعقّدة”، قبل أن تستدل بأن “أهمية هذا الموضوع بارزة أيضا، بتجلّيات كبيرة، من خلال النزاعات والصراعات الحالية الدائرة في مناطق عبر العالم، لا سيما في قطاع غزة وإيران”.

وأضافت مؤلّفة كتاب”Traduction et Violence” (2020)، الذي تُرجم إلى اللغة العربية، محذرة من كون “الترجمة ليست أداة لغوية أو لنقل المعارف فقط، بل يمكن استخدامها كسلاح في حرب الذكريات هذه”.

“الترجمة صانعةً للمصالحة”

وفي معرض محاضرتها في “معهد البحث في تاريخ المغرب” (مقره الرباط)، أوضحت تيفين سامويو، مديرة الدراسات بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وأيضا مديرة “مركز البحوث في الفنون واللغة” بباريس، أنه “بدلاً من ذلك يمكن أن تلعب الترجمة دور العدالة التصالحية في النزاعات والصراعات المندلعة”، مشيرة إلى أن “حروب الذاكرة ليست مجرد حروب رمزية أو صراعات تاريخية محدودة (…)، بل يمكن أن تؤجج مزيداً من الصراعات وتثيرها في سياقات مختلفة”.

كما تساءلت المتحدثة، التي حلّت ضيفة على الهيئة العليا للترجمة بأكاديمية المملكة، عن “قدرة الترجمة على تحسين التفاهم وردم هوّة الاختلافات بين الأطراف، سواءٌ كانت دولا أو أفرادا”، مضيفة في هذا السياق أنه “يمكننا أن نذهب باتجاه استكشاف الترجمة كوسيلة محتمَلة للمصالحة وإصلاح النزاعات”.

ولأنه “غالباً ما ترتبط الترجمة، كفعلٍ لغوي مرموق جوهرُه التحويل ونقل المعارف والعلوم، بحُسن الضيافة ونسج خيوط الصداقة بين الثقافات واللغات والشعوب”، لم تستثن اللغوية الفرنسية تيفين سامويو خيارا مفاده أنه “مع ذلك يمكن أن ترتبط (الترجمة)، أيضاً، بالعنف والهيمنة والاستعمار”.

وأثارت الأستاذة الباحثة، التي تتركز أبحاثها حاليًا على الترجمة والآداب وعلاقتهما وتفاعلهما مع العلوم الإنسانية، مثالا تاريخيًا اعتبرته “بارزا” في التعبير عن ارتباط فعل الترجمة بحرب الذاكرات من خلال مصطلحات مشحونة بالعنف والهيمنة والإخضاع في “سياق استعماري”.

وقالت إن الأمر يتبيّن، بوضوح، من خلال “استدعاء مجهود لازم لتفكيك الاختلاف”، الذي حصل في توصيف الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومقاومة الجزائريين لاستعمار بلادهم قبل نيل الاستقلال مع بداية ستينيات القرن الماضي، أي توظيف عبارات من قبيل: “حرب التحرير الجزائرية” أو “حرب الاستقلال الجزائرية”. وخلصت إلى أن “الترجمة تلعب، إذن دورا حاسمًا في حرب الذاكرات”، وهو ما يحتفظ به الجزائريون إلى اليوم من خلال عبارات من قبيل: “المصالحة والتصالح مع الماضي والذاكرة الكولونيالية”.

كما أثارت مديرة الدراسات بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية “روابط” ما زالت قائمة، بحسبها، تهمّ “علاقة مفهومَي الذاكرة والتاريخ”. وحاولت إبراز التمايز الممكن بقولها: “إذا كان التاريخ ينظَر إليه كبناء معرفي مبني على أحداث مَروية كرونولوجياً لها أثر في الزمن الماضي وفق ما يؤكده المؤرخ الفرنسي هنري روسو، فإن الذاكرة تُحيل أكثر على الوقائع الحيّة والمعيشة والراسخة في الوعي الجمعي لشعب أو حضارة أو مجتمع محلي”.

وأضافت أن “التاريخ مُكوَّن ومتشكل أساسا من الذاكرة… بينما الذاكرة تتغذى على التاريخ”، مما يبرز “العلاقة الجدلية” وعلاقة التشابك/ التداخل بينهما.

ومن أبرز ما تطرقت إليه محاضرة الأكاديمية الفرنسية “الذاكراتُ المتنافسة (Concurrence mémorielle) “، التي “رغم غِناها فإنها لا تحلّ مجمل المشاكل”، موردة “أمثلة كثيرة للخروج من الحرب الأهلية أو حالة صراع استدعت فيها الذاكرات معطى التنافس (خاصة في دول أمريكا الجنوبية ومثال هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب ونظام الفصل العنصري الأبارتهايد في جنوب إفريقيا).

“رهان سياسي وصانع للذاكرة”

وفي سياق ما يُعرف بـ”حرب الذاكرت”، حيث تتنافس جماعات متعددة على فرض قراءتها الخاصة للماضي ووقائعه، تَبرز الترجمة “بوصفها رهانًا سياسيًا وإيديولوجيا بالغ الأهمية”، وفق ما أبرزته المحاضِرة.

وأشارت في هذا الصدد إلى أن “فعل الترجمة – وقوامه التحويل والنقل- قد يَنهض بدور الوسيط بين روايات متعارضة، كما قد تُسخَّر الترجمة لإعادة تشكيل الوعي الجماعي بالأحداث التاريخية أو تحريفه وتوجيهه لخدمة مقاصد بعينها”.

ومن ثمة، تضيف المتحدثة، “قد يصطدم المترجم، أثناء نقل النصوص بين اللغات، بعدة خيارات مصطلحية وتأويليّة دقيقة، قد تسهم في التخفيف من وطأة رؤية تاريخية ما أو في ترسيخها، بل قد تفضي إلى تقويضها بالكامل”.

وبهذا المعنى “تَخرج الترجمة عن كونها مجرد عملية تحويل لغوي إلى كونها فاعلًا مؤثرًا في صناعة الذاكرة وإعادة تشكيلها، بل في ترسيخ النسيان ذاته”.

يشار إلى أن محاضرة الأستاذة الفرنسية المختصة في اللغات والترجمات جاءت “في إطار سلسلة المحاضرات الدورية التي تشرف على تنظيمها الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة التابعة لأكاديمية المملكة المغربية”، وفق ما أبرزه عبد الفتاح لحجمري، منسق الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، في تصريح لهسبريس على هامش الحدث.

أخبار ذات صلة

0 تعليق